فصل: تفسير الآيات (1- 5):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الزلزلة: آية 8]

{وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقال ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}
معطوفة على ما قبلها والإعراب واضح. اهـ.

.فصل في تخريج الأحاديث الواردة في السورة الكريمة:

قال الزيلعي:
سورة الزلزلة فِيهَا حديثان:
1522- الحَدِيث الأول:
رُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تشهد الأَرْض عَلَى كل أحد بِمَا عمل عَلَى ظهرهَا».
قلت رُوِيَ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَمن حَدِيث انس.
فَحَدِيث أبي هُرَيْرَة رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق ابْن الْمُبَارك ثَنَا سعيد ابْن أبي أَيُّوب ثَنَا يَحْيَى بن أبي سُلَيْمَان عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة قال: «قرأ رَسُول الله هَذِه الْآيَة يَوْمئِذٍ تحدث أَخْبَارهَا قال أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارهَا قالوا الله وَرَسُوله اعْلَم قال فَإِن أَخْبَارهَا أَن تشهد عَلَى كل عبد أَو أمة بِمَا عمل عَلَى ظهرهَا تَقول عمل كَذَا فِي يَوْم كَذَا فَهَذِهِ أَخْبَارهَا» انتهى قال التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب انتهى.
وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه فِي النَّوْع الثَّانِي وَالسبْعين من الْقسم الثَّالِث وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك فِي كتاب القراءات: وَقال علي شَرط الشَّيْخَيْنِ.
وَأما حَدِيث انس فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان فِي أواخر الْبَاب السَّابِع وَالْأَرْبَعِينَ من حَدِيث رشدين بن سعد ثَنَا يَحْيَى بن أبي سُلَيْمَان عَن أبي حَازِم عَن أنس بن مَالك أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قال: «إِن الأَرْض لِتُخْبِرَ يَوْم الْقِيَامَة بِكُل عمل عمل عَلَى ظهرهَا ثمَّ تَلا {إِذا زلزلت الأَرْض زِلْزَالهَا} إِلَى آخرهَا» انتهى.
قال الْبَيْهَقِيّ وَرشْدِين بن سعد ضَعِيف وَبِالسَّنَدَيْنِ رَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره.
1523- الحَدِيث الثاني:
عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ إِذا زلزلت الأَرْض أَربع مَرَّات كَانَ كمن قرأ القرآن كُله».
قلت رَوَاهُ الثَّعْلَبِيّ اُخْبُرْنَا يَعْقُوب بن احْمَد السّري الْعَرُوضِي أَنا مُحَمَّد بن عبد الله الْعمانِي ثَنَا أَبُو الْقَاسِم الطَّائِي حَدثنِي أبي ثني علي بن مُوسَى الرِّضَا ثني أبي مُوسَى بن جَعْفَر حَدثنِي أبي جَعْفَر بن مُحَمَّد حَدثنِي أبي مُحَمَّد بن علي حَدثنِي أبي علي بن الْحُسَيْن حَدثنِي أبي الْحُسَيْن بن علي حَدثنِي أبي علي بن أبي على ابْن أبي طَالب قال قال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم... فَذكره.
وَفِي مُسْند ابْن أبي شيبَة وَالْبَزَّار عَن سَلمَة بن وردان عَن أنس بن مَالك عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قال: «قل يأيها الْكَافِرُونَ ربع القرآن وإِذا زلزلت ربع القرآن وإِذا جَاءَ نصر الله ربع القرآن». انتهى. وَفِي لفظ الْبَزَّار «تعدل ربع القرآن.»
وَرَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره بِسَنَدِهِ الثَّانِي فِي آل عمرَان وَلَفظه «من قرأ إِذا زلزلت أعطي من الْأجر كمن قرأ ربع القرآن»، وَبِهَذَا اللَّفْظ رَوَاهُ الواحدي فِي الْوَسِيط بِسَنَدِهِ فِي يُونُس. اهـ.

.فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة:

قال محمد الغزالي:
سورة الزلزلة:
قبل أن تقوم الساعة يقع في الأرض زلزال كبير يدوخ منه سكان القارات أجمعون. والزلازل يتفاوت أثرها بمدتها وشدتها. وقد يستمر الزلزال بضع دقائق فيترك العواصم أنقاضا، والقرى ترابا. وقد عاينت زلزالا من نصف دقيقة طاش له اللب، وهام الناس على وجوههم منه. فإذا اقترن الزلزال بثوران البراكين وانطلاق الحمم من باطن الأرض، تضاعف العذاب {إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان ما لها}. ماذا حدث لها؟ وماذا يراد بنا؟ {يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها}. يومئذ يشعر الناس بأن اليوم الموعود قد حل، وأن حساب الناس على ما قدموا قد آن.
{يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم}. إن شعورهم بما كان منهم قوى غالب: {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا}. والحساب بمثقال الذرة في ذلك اليوم العصيب. وفى الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام سئل عن زكاة الحمير، فقال: ما أنزل الله فيها شيئا إلا هذه الآية الجامعة الفاذة {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره}. اهـ.

.في رياض آيات السورة الكريمة:

.فصل في أسرار ترتيب السورة:

قال السيوطي:
سورة الزلزلة:
أقول: لما ذكر في آخر {لم يكُن} أن جزاء الكافرين جهنم، وجزاء المؤمنين جنات، فكأنه قيل: متى يكون ذلك؟ فقيل: {إِذا زُلزِلَت الأَرضُ زِلزالها} أي حين تكون زلزلة الأرض، إلى آخره.
هكذا ظهر لي، ثم لما راجعت تفسير الإمام الرازي، ورأيته ذكر نحوه حمدت الله كثيرًا وعبارته: ذكروا في مناسبة هذه السورة لما قبلها وجوها منها: أنه تعالى لما قال: {جَزاؤهُم عِندَ رَبِهِم جناتُ عدنٍ} فكأن المكلف قال: ومتى يكون ذلك يا رب؟ فقال: {إِذا زُلزِلَت الأَرض} ومنها: أنه لما ذكر فيها وعيد الكافرين، ووعد المؤمنين، أراد أن يزيد في وعيد الكافرين فقال: {إِذا زُلزِلَت الأَرض} ونظيره: {يومَ تبيضُ وجوهٌ وتسودُ وجوه} ثم ذكر ما للطائفتين فقال: {فأَما الذينَ اسودت وجوهَهُم} إلى آخره ثم جمع بينهما هنا في آخره السورة بذكر الذي يعمل الخير والشر انتهى. اهـ.

.تفسير الآيات (1- 5):

قوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالهَا (2) وَقال الإنسان مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
{بسم الله} المحيط بكل شيء قدؤرة وعلما (الرحمن) الذي عم الخلق بنعمته الظاهرة قسما (الرحيم) الذي أتم النعمة على خواصه حقيقة واسما، عينا ورسما.
لما ختم تلك بجزاء الصالح والطالح في دار البقاء على ما أسلفوه في مواطن الفناء، ذكر في هذه أول مبادئ تلك الدار وأوائل غاياتها، وذكر في القارعة ثواني مبادئها وآخر غاياتها، وأبلغ في التحذير بالإخبار بإظهار ما يكون عليه الجزاء، فقال معبرًا بأداة التحقق لأن الأمر حتم لابد من كونه: {إذا}.
ولما كان المخوف الزلزلة ولو لم يعلم فاعلها، وكان البناء للمفعول يدل على سهولة الفعل ويسره جدًا، بنى للمفعول قوله: {زلزلت الأرض} أي حركت واضطربت زلزلة البعث بعد النفخة الثانية بحيث يعمها ذلك لا كما كان يتفق قبل ذلك من زلزلة بعضها دون بعض وعلى وجه دون ذلك، وعظم هذا الزلزال وهوّله بإبهامه لتذهب النفس فيه كل مذهب، فقال كاسرًا الزاء لأنه مصدر، ولو فتحها لكان اسمًا للحركة، قال البيضاوي: وليس إلا في المضاعف.
{زلزالها} أي تحركها واضطرابها الذي يحق لها في مناسبته لعظمة جرم الأرض وعظمة ذلك اليوم، ولو شرح بما يليق به لطال الشرح، وذلك كما تقول: أكرم التقي إكرامة وأهن الفاسق الشقي إهانة، أي على حسب ما يليق به.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: وردت عقب سورة البرية ليبين بها حصول جزاء الفريقين ومآل الصنفين المذكورين في قوله: {إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين}- إلى قوله: {أولئك شر البرية} وقوله: {إن الذين آمنوا}- إلى آخر السورة.
ولما كان حاصل ذلك افتراقهم على صنفين ولم يقع تعريف بتباين أحوالهم، أعقب ذلك بمآل الصنفين واستيفاء جزاء الفريقين المجمل ذكرهم فقال تعالى: {يومئذ يصدر الناس أشتاتًا ليروا أعمالهم} إلى آخر السورة- انتهى.
ولما كان الاضطراب العظيم يكشف عن الخفي في المضطرب قال: {وأخرجت} وأظهر ولم يضمر تحقيقًا للعموم فقال: {الأرض} أي كلها {أثقالها} أي مما هو مدفون فيها كالأموات والكنوز التي كان أمرها ثقيلًا على الناس، وهو جمع ثقل بالكسر، وذلك حين يكون البعث والقيام متأثرًا ذلك الإخراج عن ذلك الزلزال، كما يتأثر عن زلزال البساط بالنفض إخراج ما في بطنه وطيه وغضونه من وسخ وتراب وغيره، وما كان على ظهرها فهو ثقل عليها لأنها يعطيها الله قوة إخراج ذلك كله كما كان يعطيها قوة أن تخرج النبت الصغير اللطيف الطري الذي هو أنعم من الحرير فيشق الأرض الصلبة التي تكل عنها المعاول والحديد، ويشق النواة مع ما لها من الصلابة التي تستعصي بها على الحديد فينفلق نصفين وينبت منها ما يريده سبحانه وتعالى، ويفلق قشر الجوز واللوز ونوى الخوخ وغيره مما هو في غاية الصلابة كما نشاهده، ويخرج منه الشجر بشق الأرض على ضعفه ولينه وصلابتها وبكونه على ظهرها حتى يصير أغلظ شيء وأشده، وكذا الحب سواء، فالذي قدر على ذلك هو سبحانه وتعالى قادر على تكوين الموتى في بطن الأرض وإعادتهم على ما كانوا عليه كما يكون الجنين في البطن ويشق جميع منافذه على التحذير من السمع والبصر والفم وغير ذلك من غير أن يدخل إلى هناك بيكار ولا منشار، ثم يخرج من البطن، فكذا إخراج الموتى من غير فرق، كل عليه هين- سبحانه ما أعظم شأنه وأعز سلطانه.
ولما كان الإنسان إذا رأى هذا عجب له ولم يدرك سببه لأنه أمر عظيم فظيع يبهر عقله ويضيق عنه ذرعه، عبر عنه بقوله: {وقال الإنسان} أي هذا النوع الصادق بالقليل والكثير لما له من النسيان لما تأكد عنده من أمر البعث بما له من الأنس بنفسه والنظر في عطفه، على سبيل التعجب والدهش أو الحيرة، ويجوز أن يكون القائل الكافر كما يقول: {من بعثنا من مرقدنا} [يس: 52] فيقول له المؤمن: {هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون} [يس: 52] {ما لها} أي أيّ شيء للأرض في هذا الأمر الذي لم يعهد مثله.
ولما طال الكلام وأريد التهويل، أبدل من {إذا} قوله معرفًا للإنسان ما سأل عنه: {يومئذ} أي إذ كان ما ذكر من الزلزال وما لزم عنه ونصبه وكذا ما أبدل منه بقوله: {تحدث} أي الأرض بلسان الحال بإخراج ما في بطنها من الموتى والكنوز وغيرها على وجه يعلم الإنسان به لم زلزلت ولم أخرجت، وأن الإنذار بذلك كان حقًا، وقال ابن مسعود- رضي الله عنه ـ: تحدث بلسان المقال.
{أخبارها} أي التي زلزلت وأخرجت ما أخرجت لأجلها، وكل شيء عمل عليها شهادة منها على العاملين فتقول: عمل فلان كذا وكذا- تعدد حتى يود المجرم أنه يساق إلى النار لينقطع عنه تعداد ذلك الذي يلزم منه العار، وتشهد للمؤمن بما عمل حتى يسره ذلك، فيشهد للمؤذن كل ما امتد إليه صوته من رطب ويابس.
ولما كان من المقرر أنه لا يكون شيء إلا بإذنه تعالى، وكان قد بنى الأفعال لما لم يسم فاعله، فكان الجاهل ربما خفي عليه فاعل ذلك قال: {بأن} أي تحدث بسبب أن {ربك} أي المحسن إليك بإحقاق الحق وإزهاق الباطل لإعلاء شأنك {أوحى} وعدل عن حرف النهاية إيذانًا بالإسراع في الإيحاد فقال: {لها} أي بالإذن في التحديث المذكور بالحال أو المقال. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال نظام الدين النيسابوري:

.القراءات:

{يره} ساكنة الهاء في الحرفين: الحلواني عن هشام.

.الوقوف:

{زلزالها} o لا {أثقالها} لا {مالها} o لا لاحتمال حذف عامل (إذا) أي أذا كانت هذه الأمور ترى ما ترى واحتمال أن يكون العامل {تحدث} و{يومئط} بدلًا من (إذا) {أخبارها} o لا {لها} o ط {أعمالهم} o ط {يره} o ط {يره} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض زِلْزَالَهَا} هاهنا مسائل:
المسألة الأولى:
ذكروا في المناسبة بين أول هذه السورة وآخر السورة المتقدمة وجوهًا أحدها: أنه تعالى لما قال: {جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ} [البينه: 8] فكأن المكلف قال: ومتى يكون ذلك يا رب فقال: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض زِلْزَالَهَا} فالعالمون كلهم يكونون في الخوف، وأنت في ذلك الوقت تنال جزاءك وتكون آمنًا فيه، كما قال: {وَهُمْ مّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ ءامِنُونَ} [النمل: 89].
وثانيها: أنه تعالى لما ذكر في السورة المتقدمة وعيد الكافر ووعد المؤمن أراد أن يزيد في وعيد الكافر، فقال: أجازيه حين يقول الكافر السابق ذكره: ما للأرض تزلزل، نظير قوله: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106] ثم ذكر الطائفتين فقال: {فَأَمَّا الذين اسودت وُجُوهُهُمْ} [آل عمران: 106] {وَأَمَّا الذين ابيضت وُجُوهُهُمْ} [آل عمران: 107] ثم جمع بينهم في آخر السورة فذكر الذرة من الخير والشر.
المسألة الثانية:
في قوله: {إِذَا} بحثان.
أحدهما: أن لقائل أن يقول: {إِذَا} للوقت فكيف وجه البداية بها في أول السورة؟
وجوابه: من وجوه:
الأول: كانوا يسألونه متى الساعة؟ فقال: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض} كأنه تعالى قال: لا سبيل إلى تعيينه بحسب وقته ولكني أعينه بحسب علاماته.
الثاني: أنه تعالى أراد أن يخبر المكلف أن الأرض تحدث وتشهد يوم القيامة مع أنها في هذه الساعة جماد فكأنه قيل: متى يكون ذلك؟ فقال: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض}.
البحث الثاني:
قالوا كلمة: {إن} في المجوز، وإذا في المقطوع به، تقول: إن دخلت الدار فأنت طالق لأن الدخول يجوز، أما إذا أردت التعليق بما يوجد قطعًا لا تقول: إن بل تقول: إذا (نحو إذا) جاء غد فأنت طالق لأنه يوجد لا محالة. هذا هو الأصل، فإن استعمل على خلافه فمجاز، فلما كان الزلزال مقطوعًا به قال: {إِذَا زُلْزِلَتِ}.
المسألة الثالثة:
قال الفراء: الزلزال بالكسر المصدر والزلزال بالفتح الاسم، وقد قرئ بهما، وكذلك الوسواس هم الاسم أي اسم الشيطان الذي يوسوس إليك، والوسواس بالكسر المصدر، والمعنى: حركت حركة شديدة، كما قال: {إِذَا رُجَّتِ الأرض رَجًّا} [الواقعة: 4] وقال قوم: ليس المراد من زلزلت حركت، بل المراد: تحركت واضطربت، والدليل عليه أنه تعالى يخبر عنها في جميع السورة كما يخبر عن المختار القادر، ولأن هذا أدخل في التهويل كأنه تعالى يقول: إن الجماد ليضطرب لأوائل القيامة، أما آن لك أن تضطرب وتتيقظ من غفلتك ويقرب منه: {لَّرَأَيْتَهُ خاشعا مُّتَصَدّعًا مّنْ خَشْيَةِ الله} [الحشر: 21] واعلم أن زل للحركة المعتادة، وزلزل للحركة الشديدة العظيمة، لما فيه من معنى التكرير، وهو كالصرصر في الريح، ولأجل شدة هذه الحركة وصفها الله تعالى بالعظم فقال: {إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شيء عَظِيمٌ} [الحج: 1].
المسألة الرابعة:
قال مجاهد: المراد من الزلزلة المذكورة في هذه الآية النفخة الأولى كقوله: {يَوْمَ تَرْجُفُ الراجفة تتبَعُهَا الرادفة} [النازعات: 6] أي تزلزل في النفخة الأولى، ثم تزلزل ثانيًا فتخرج موتاها وهي الأثقال، وقال آخرون: هذه الزلزلة هي الثانية بدليل أنه تعالى جعل من لوازمها أنها تخرج الأرض أثقالها، وذلك إنما يكون في الزلزلة الثانية.
المسألة الخامسة:
في قوله: {زِلْزَالَهَا} بالإضافة وجوه:
أحدها: القدر اللائق بها في الحكمة، كقولك: أكرم التقي إكرامه وأهن الفاسق إهانته، تريد ما يستوجبانه من الإكرام والإهانة.
والثاني: أن يكون المعنى زلزالها كله وجميع ما هو ممكن منه، والمعنى أنه وجد من الزلزلة كل ما يحتمله المحل والثالث: زلزالها الموعود أو المكتوب عليها إذا قدرت تقدير الحي، تقريره ماروى أنها تزلزل من شدة صوت إسرافيل لما أنها قدرت تقدير الحي.
{وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالهَا (2)} أما قوله: {وَأَخْرَجَتِ الأرض أَثْقالهَا} ففيه مسألتان:
المسألة الأولى:
في الأثقال قولان:
أحدهما:أنه جمع ثقل وهو متاع البيت: {وَتَحْمِلُ أَثْقالكُمْ} جعل ما في جوفها من الدفائن أثقالا لها، قال أبو عبيدة والأخفش: إذا كان الميت في بطن الأرض فهو ثقل لها، وإذا كان فوقها فهو ثقل عليها، وقيل: سمي الجن والإنس بالثقلين لأن الأرض تثقل بهم إذا كانوا في بطنها ويثقلون عليها إذا كانوا فوقها، ثم قال: المراد من هذه الزلزلة، الزلزلة الأولى يقول: أخرجت الأرض أثقالها، يعني الكنوز فيمتلئ ظهر الأرض ذهبًا ولا أحد يلتفت إليه، كأن الذهب يصيح ويقول: أما كنت تخرب دينك ودنياك لأجلي! أو تكون الفائدة في إخراجها كما قال تعالى: {يَوْمٍ يحمى عَلَيْهَا في نَارِ جَهَنَّمَ} [التوبة: 35] ومن قال: المراد من هذه الزلزلة الثانية وهي بعد القيامة.
قال: تخرج الأثقال يعني الموتى أحياء كالأم تلده حيًا، وقيل: تلفظه الأسرار، ولذلك قال: {يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أَخْبَارَهَا} فتشهد لك أو عليك.
المسألة الثانية:
أنه تعالى قال في صفة الأرض: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض كِفَاتًا} [المرسلات: 25] ثم صارت بحال ترميك وهو تقرير لقوله: {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الحج: 2] وقوله: {يَوْمَ يَفِرُّ المرء} [عبس: 34].
أما قوله تعالى: {وَقال الإنسان ما لها} ففيه مسائل:
المسألة الأولى:
مالها تزلزل هذه الزلزلة الشديدة ولفظت ما في بطنها، وذلك إما عند النفخة الأولى حين تلفظ ما فيها من الكنوز والدفائن، أو عند النفخة الثانية حين تلفظ ما فيها من الأموات.
المسألة الثانية:
قيل: هذا قول الكافر وهو كما يقولون: {مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا} [يس: 52] فأما المؤمن فيقول: {هَذَا مَا وَعَدَ الرحمن وَصَدَقَ المرسلون} [يس: 52] وقيل: بل هو عام في حق المؤمن والكافر أي الإنسان الذي هو كنود جزوع ظلوم الذي من شأنه الغفلة والجهالة: يقول: مالها وهو ليس بسؤال بل هو للتعجب، لما يرى من العجائب التي لم تسمع بها الآذان.
ولا تطلق بها لسان، ولهذا قال الحسن: إنه للكافر والفاجر معًا.
المسألة الثالثة:
إنما قال: {مالها} على غير المواجهة لأنه يعاتب بهذا الكلام نفسه، كأنه يقول: يا نفس ما للأرض تفعل ذلك يعني يا نفس أنت السبب فيه فإنه لولا معاصيك لما صارت الأرض كذلك فالكفار يقولون هذا الكلام والمؤمنون يقولون: {الحمد للَّهِ الذي أَذْهَبَ عَنَّا الحزن} [فاطر: 34].
أما قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أَخْبَارَهَا}
فاعلم أن ابن مسعود قرأ: {تنبيء أَخْبَارَهَا} وسعيد بن جبير تنبيء ثم فيه سؤالات:
الأول: أين مفعولا {تحدث}؟
الجواب: قد حذف أولهما والثاني أخبارها وأصله تحدث الخلق أخبارها إلا أن المقصود ذكر تحديثها الأخبار لا ذكر الخلق تعظيمًا.
السؤال الثاني:
ما معنى تحديث الأرض؟ قلنا فيه وجوه:
أحدها: وهو قول أبي مسلم يومئذ يتبين لكل أحد جزاء عمله فكأنها حدثت بذلك، كقولك الدار تحدثنا بأنها كانت مسكونة فكذا انتقاض الأرض بسبب الزلزلة تحدث أن الدنيا قد انقضت وأن الآخرة قد أقبلت.
والثاني: وهو قول الجمهور: أن الله تعالى يجعل الأرض حيوانًا عاقلًا ناطقًا ويعرفها جميع ما عمل أهلها فحينئذ تشهد لمن أطاع وعلى من عصي، قال عليه السلام: «أن الأرض لتخبر يوم القيامة بكل عمل عمل عليها» ثم تلا هذه الآية وهذا على مذهبنا غير بعيد لأن البنية عندنا ليست شرطًا لقبول الحياة، فالأرض مع بقائها على شكلها ويبسها وقشفها يخلق الله فيها الحياة والنطق، والمقصود كأن الأرض تشكو من العصاة وتشكر من أطاع الله، فنقول: إن فلانًا صلى وزكى وصام وحج في، وإن فلانًا كفر وزنى وسرق وجار، حتى يود الكافر أن يساق إلى النار، وكان على عليه السلام: إذا فرغ بيت المال صلى فيه ركعتين ويقول: لتشهدن أني ملأتك بحق وفرغتك بحق والقول الثالث: وهو قول المعتزلة: أن الكلام يجوز خلقه في الجماد، فلا يبعد أن يخلق الله تعالى في الأرض حال كونها جمادًا أصواتًا مقطعة مخصوصة فيكون المتكلم والشاهد على هذا التقدير هو الله تعالى.
السؤال الثالث:
{إذ} و{يومئذ} ما ناصبهما؟
الجواب: {يومئذ} بدل من إذا وناصبهما {تحدث}.
السؤال الرابع:
لفظ التحديث يفيد الاستئناس وهناك لا استئناس فما وجه هذا اللفظ الجواب: أن الأرض كأنها تبث شكواها إلى أولياء الله وملائكته.
أما قوله تعالى: {بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا}
ففيه سؤالان:
السؤال الأول:
بم تعلقت الباء في قوله: {بِأَنَّ رَبَّكَ}؟
الجواب: بـ: {تحدث}، ومعناه تحدث أخبارها بسبب إيحاء ربك لها.
السؤال الثاني:
لم لم يقل أوحى إليها؟
الجواب: فيه وجهان:
الأول: قال أبو عبيدة: {أوحى لَهَا} أي أوحى إليها وأنشد العجاج:
أوحى لها القرار فاستقرت

الثاني: لعله إنما قال لها: أي فعلنا ذلك لأجلها حتى تتوسل الأرض بذلك إلى التشفي من العصاة. اهـ.